الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

الانسان في عالمه من ديوان اصدقاء في النجوم


الانسان في عالمه
1
أرأيت الفُلك في اليم تسير
وشبيه الطير في الجو يطير؟
لا يملان السُرى مهما نأى
بارق اوعزَّ في الهول النصير
سُبُل قرَّب من ابعادها
مُدلج شهم وطمَّاح جسور
في ثراها دم انسان مضى
وعلى اعلامها ظِل العصور
عِبَرٌ لاحت فكانت صوراً
لحياة زانها وجه نضير
فأِذا ماغاض بحر فُجرت
ابحر منها أجاج ونمير
شيخة ما ضعفت همتها
هي كالخذروف بالناس تدور
قيل عنها: إنها الدنيا التي
سمَقَت فيها                      الاماني والقصور
كثرت اسماؤها                 بين الورى
وشكا منها                       غني وفقير
كان هذا من قديم               منذ خلق الكائنات
انه سر عظيم                   لحياة وممات
 في مجاهيل الدهور
*
2
حينما اهتز بكفٍ صولجانُ
صار في الارض مكان وزمانُ
بهما الدنيا اقامت صرحها
شامخاً والعقل بانٍ واللسان
سكن احياء منها مأمناً
حيثما كان نعيم العيش كانوا
وهى الايام فيهم قُلَّبٌ
ماصفا وقت ولا قَرَّ جَنان!
ناح مفجوع وغنى ماجن
كل مخلوق له حال وشان
ليس من حي ولا من جامدٍ
غير ذي بال فللعود دخان
قد أضلَّ الغقلَ وهمٌ وكرى
وأمضَّ القلبَ شوقٌ وحنان
منذ ان سنَّ الردى انيابَه
كان في الناس شجاع وجبان
صرخة ردَّت صداها صرخةٌ
وسنان فلَ حدَيه سنان
فرح القوم                       ولما حزنوا
كسروا الدف                    وولى المهرجان
عارف الله استراحا                        في صلاح وعبادة
وعبير النفس فاحا                         من رياحين السعادة
ما لمسراها مكان
3
هذه الغابات                                 ما اندى شذاها
هذه القيعان                                 ما ابهى رباها!
نسج الدهر على اعطافها
رونق الجود ومن طيبٍ سقاها
كلما شعَت                                   مصابيح الدجى
نثرت فوق                                   مغانيها سناها
هذه انهار                                    تجري سمحةً
من زلال باردٍ                   احيت قراها
هذه شم الرواسي رجعت
آبدات الطير تهوي عن ذراها
سانحات بارحات حوم
بلغت في سعيها اقصى مداها
وشتاء ذرفت ادمعه
وربيع صاغها ثم جلاها
وسهول اخصبت انعامُها
وصحارى رتعت فيها ظباها
وغصون اصبحت حاليةً
بعيون النَّور واخضر ثراها
فأِذا رثَّ عليها ثوبها
وتعرت جدد الغيث صباها
اشرقت شمس الجمال                     في ظلام الانفسِ
فبدا روض الخيال              لأديب مؤنسِ
زاد وجداً من رآها
4
في عباب البحر من شتى الصور
لم تكن جناً وما كانت بشر!
امم قد نازعتها امم
أكلت مغلوبَها والمنتصر
صغُر الفاتح في كالحُمُر!
بنت الاهرام من امواجه
يتحدى عزمها صلد الحجر
وقباباً من مزيجٍ لزجٍ
وكهوفاً وشعاباً وحفر
لفَّها الليل فما من قبسٍ
غير طيف لنجومٍ وقمر
سابحات في مدى اعماقه
غائصات في مزاليق القدر
ليس منها صنم او ملك
او زعيم او امير يفتخر
او محب تيَمنه غادة
قصرها الاسفنج زاهٍ بالدرر
هل لها ما ساءها في عيشها
ام لها عيش رغيدٌ مستقر؟!
شربت من مرَهِ                 واستنارت بظلامه
دهرها من دهرهِ               دائمات بدوامه
طال هذا ام قصر

5
أزلي مات فيه العدمُ
هو سِفر والليالي قلمُ
ترقص الشمس على مرآته
والثريا فوقه تبتسم
وكأن الدهر في اغواره
جاثم والدهر معنى مبهم!
هائج محتبس في قبره
حاقد من نفسه ينتقم
مظلم الغور وضئٌ وجهه
وافر الخير جواد منعم
ساهر سهَّد سلطانَ الكرى
ثمل كأس طلاه العلقم
وهدير زلزل الشطآن من
لُججٍ في لُججٍ تلتطم
ارسلتها غضبةً حيتانُه
مثلما يغضب وحش ملجم
كل مافيه اذا الليل سجا
وتر جلجل منه
انت لو امعنت فيه خلته
ناطقاً لكنه لا يفهم!!
خافق القلب معذب                                     دمعه تلك اللآلي
وتراه حين يغضب                          ناطحاً صخر الجبال
سخَّرته الاممُ

6
من هو العارف اسرار الحياةِ
ومن المخبر ما بعد المماتِ؟!
ذهب السحر وموسى والعصا
وسما بالروح عقل المعجزات
والذي اعمى النهى ازمنةً
كان من صنع حواة وطغاة !!
ضرب الشك عليها حجباً
خلفها ما كان من ماضٍ وآتي
كل إدراكٍ وإن اعظمته
لم يجز فيها حدود الترهات
كل شمس في سنا عليائها
شمعة بين نجوم زاهرات
كل منظور ولو كان السهى
قطرة وسط بحورٍ طاميات
كل غريدٍ على افنانه
ندبة من نائحات باكيات
تصغر الاحداث والدنيا اذا
سَدَم العقمُ بطونَ الامهات
طمعُ انسان سلوى عيشه
كلما جاء وليد صاح: هات
في دروب شاسعة                          جلجلت اجراسنا
في صحارى جائعة                         لهثت افراسنا
لنداءِ الشهواتِ

7
طِر وحلق بجناح او خيال
ثم اخبرنا عن الامر المحال
ما الذي ادركته بل ما الذي
كان في ظنك ميسور المنال؟!
ظلل الارضَ السماوات العلى
وبنى الناموسَ في ظنون وصفها
سهلة الاِحصاء لو تُحصى الرمال
أطبق الغيب على اسرارها
وحكاها العلم في قيل وقال
أهناك الخلق في اشكالهم
شيدوا البنيان من صخر الجبال
وأقاموا ردَحاً من دهرهم
ثم ناداهم نذير ارتحال؟
أهناك الحب في شهوته
مضرم بين نساء ورجال؟
أهناك الحرب شبت نارها
والظما والجوع والداء العضال
والهدى والدين في آياته
حائر بين حرام وحل؟
لا تحاول ان تجيبا                          واترك الغيب وحاله
عالم كان عجيبا                            يجهل العقل مآله
بالغٌ حدَ الكمال

8
عظم العالم من اجل رضاكا
وذرا صيداً وطُعماً وشباكا
لك عقل لم يُكوَر مثله
ملك الارض وللنعمى هداكا
أحسن التدير حتى عدلت
كفتا ميزانه هذا بذاكا
وفوآد نشطت اهواؤه
كان للنفس نجاة او هلاكا
عِش كما تحلم طلقاً غانماً
واعتقد أن ليس في الدنيا سواكا
واحذر الناس فما من احدً
يحفظ الود وإن قال: فداكا
فأِذا ايسرت كانوا خدماً
واذا اعسرت صاروا من عداكا
لم يكن مثل هواكا
كل مخلوق له اظفاره
شرب الصفو صراعاً وعراكا
روضةٌ لكنها مسبعةٌ
لا تصدق أن في الروض ملاكا
دمية من خزفِ                 نفخ الشيطان فيها
هي اغلى التحفِ               شكلها شكل ابيها
من رآها قد رآكا

9
كل مافي الكون برق خلبُ
قصر العمر وعز المطلبُ
شاخ من كان صبياً نضراً
منتهى الجد لديه لعب
ومشى يحنو على عكازةٍ
هي للعاجز أم وأَب
خفق القلب بما لا يشتهي
ومضى الوقت بما لا يرغب
كلما اصغى الى ترنيمةٍ
قال : هذا راحل ينتحب!
ضَحِكٌ في ليله صبح البكا
ليس للضاحك منه مهرب
زينة المرء جمال وصبا
والذي ذم التصابي يكذب
فأِذا زالا شفت غُلَهما
سطوة مرهوبة او ذهب
تُعرف الاحداث من اسبابها
هل لهاتيك البرايا سبب؟!
تعب الفكر به عن ضِلَة
فارعوى وازداد فيع العجب!
موكب الافراح ولى                        بملوك وعبيد
حيث لا يلقى محلا                          بين ديدان اللحود
جيشها لا يُغلبُ

10
لا تسل في اليم كيف الفلك عاما
لا ولا في الجو كيف الطير حاما
غاية الغايات عمر ينقضي
بهواه كنت صباً مستهاما
متِع العين بما شاهدنه
وانشق الانفاس من طيب الخزامى
ما هفا قلب الى معتزلٍ
حسب الاقمارَ وهماً وظلاما
أنت كالمصباح يخبو ضوءه
أنت بعد المنتهى تغدو رِماما
أنت كالنملة في تاريخها
جمعت حتى لها العيش استقاما
ثم ما بين بُكور وضحى
داسها منتعلٌ صلى وصاما!
تضحك الايام ممن سلفوا
وهمُ تحت الثرى ملوا المقاما
نعب البوم على اجداثهم
مُبلغ الموتى من الاهل سلاما
كلهم أحكوا                      وضلوا ومضوا
كرضيع أفرغ        الثدي وناما!
أين ارباب الكنوز               أين اصحاب الامارة؟!
اصبحوا طي الرموز                       في تراب وحجارة
أنفهم صار رغاما

11
قرأ الاستاذ علم الاولين
وكلاماً بين شكٍ ويقين
في سطورٍ لم يجاوز عدُها
ما مضى وانجاب من كرَ السنين!
حقب حارت بها افكارنا
وعلى احداثها نام السكون
لو رأى المبعوثُ من حفرته
صولةَ افعى ولؤم المفسدين
وأناساً مُلئت افواههم
بالخنى والزور إذ هم يكذبون
لهم في السر نجوى فاسقٍ
ولهم في الجهر بوق المصلحين!
لو رأى هذا لنادى مُسمعاً:
إن قومي قدوة للآخرين
ورث الوارث آفات الهوى
بذرة الاجداد عاشت في البنين
اغلقت صندوقها واستترت
في طِلاء من علوم وفنون
لم يغير قَطَ من جوهرها
مخلب الدهر ولا حربٌ زبون
شهوات وخداع                 ورياء وغواية
باطل في الناس شاع                       عجزت عنه الهداية
والتقاة الصالحون

12
ايها الحاسب هل احصيت عدَّا
ما حوى عالمنا جمعاً وفردا؟
ايها الزارع قل لي صادقاً:
أجنيت الشوك ام زهراً ووردا؟
ايها الخياط قل لي ضاحكا:
كفناً فصلت ام فصلت بُردا؟
ايها القائد قل لي عابساً:
قدت ذئبان الف ام قدت جندا؟
ايها المظلوم هل تعرف كم
ظالم في حمأة البغي تردى؟!
نصب الاتباع تمثالاً له
كان للاغرار نبراساُ ومجدا!
أَي شئ كملت اوصافه
اي شئ لم يكن للشئ ضِدا؟!
كيفما كانت افانين التقى
ابداً ذا سيد يأمر عبدا!!
وكذا الايام في احوالها
وهبت من طبعها نحساً وسعدا
ثم قالت للذي استنطقها:
قسماً لن أَهب الانسان خلدا!!
عمَّت الاحياءَ فوضى                      نارها لا تخمدُ
كلنا في الارض                 مرضى وسماء تزبدُ
ارسلت برقاً ورعدا

13
ما الذي يُحمد غير العافية
إِنها من كل هم شافية:
فسليم العقل في اسقامه
شاعر قد اعجزته القافية
وسليم الجسم في آثامه
ما جن يجني قطوفاً دانية
وقف الاعمى على مئذنةٍ
فرأَى بالظن دنيا زاهيه
ورأَى ما قد رآه مبصرٌ:
قمراً حلواً وشمساً ضاحية
هي آذان اذا حدثتها
فعلت فعلَ العيون الرائية
لا يغرنك لسان ذَربٌ
ويراع لو ذعي داهية
وقصيد زخرفت ابياتَه
لفتةُ الظبي                       ودل الغانية
بَبَغاء قرَ              في محبسه
وادعى الفهم        بنفس خالية
ومن الناس                      كثير مثله
ملؤوا ارض         طبولاً داوية
وعواءً وطنينا       كذئابٍ وذباب
ثم باتوا طامعينا                 في بحور من سراب
سقطوا في الهاويه

14
خاطب الحظ جموعَ الفقراء
بلسان كلسان الشعراءِ
قائلاً والصدق في اقواله:
داؤكم في الارض يشفيه دوائي
منذ ان اعرض عن جنته
آدم اعلنت بخلي وسخائي
احرِم البعض رغيفاً يابساً
وانيل البعض فيضاً من عطائي
وانا درب قصير للعلى
وانا احفظ سر العظماء
والاماني – قربت ام بعدت –
كلها خبأتها تحت ردائي
لايراني من تعثرت به
لا ولا من كان يسري بضيائي
فأرح رجليك يا مستعجلاً
واستريحي يا عقول الاذكياء!
فأجابوه بصوتٍ خافت:
يا عظيم الشأن يارب الثراء
قد توافقنا فطمئن بالنا
هل توفِي حقنا بعد الفناء؟!
نشر الحظ شراعه              بين امواج البحور
ساعةً يطفو وساعة           في مهاويها يغور
إنه وحي السماءِ

15
كم عظيمٍ كان يدعى فيلسوفا
لا يساوي عند محتاج رغيفا!
فيلسوف طوح الفكر به
فرأى الدنيا خسوفاً وكسوفا
عاش في كوخ تداعى سقفه
وبنى في وهمه قصراً منيفا
ليس ما نحيا به فلسفةً
راشد من كان دَعَاباً ظريفا!
إنما الناس على اجناسهم
غنم قد لبست جلداً وصوفا
كل سهلٍ معشب مرعى لها
آنست منه ربيعاً وخريفا
هذه الازمان أنثى فرَخت
من نفاوات بليداً وسخيفا
صدأ جلَّل تاريخ الورى
وبطولات العلى كانت زيوفا!
والمخازي تتجلى عدما
يسدل الليل على الخلق سجوفا!
كلما قيل : سلام وهدى
صاح راعٍ: اكل الذئب خروفا
قيل: إن العقل هادي                       ودليل في الحياة
ذاك قول في اعتقادي                      غلطة عند النحاة
خاملٌ فاق حصيفا

16
كل شأن من شؤون الناس منسي
وغدٌ كاليوم واليوم كأمس
حمل النسيانُ اعباءَ النهى
ومحا ما شاع في قلب ورأس
هو للخلق جميعاً رحمةٌ
عطَّرت انفاسَ زنديقٍ وقس
انه الخل وأستاذ الورى
صامت في صمته ابلغ درس
افرح العريان لما ان بكى
مترف يرفل في زاهي الدمقس
وأراح النفس من هاجسها
فسرى فيها سنى ظنٍ وحدس
وطواها ذكرياتٍ رقددت
وأفاقت لسرورٍ او تأسي
والأسى يُنسى ولذات الصبا
عبرت كالآه في نشوة كأس!
مركب تجري به ايامه
سَرمَدٌ ركابه من كل جنس
كلما دقت به ساعته
يصبح المرء على حال ويمسي
أيِّم صاحت وناحت              وتزيت بالسوادِ
ثم للجارة قالت:                            نسي الحزَن فوآدي
زغردى ليلة عرسي

17
اتعب البحر لو كنت ذكيا؟!
ام تعيد الشيخ في المهد صبيا؟!
لا !! وإن شئت فَسَل اهل النهى
هل لقوا في دهرهم عيشاً رضيا؟!
مرَّ بالازمان ناس سجدا
لجنون العقل صبحاً وعشيا
وأقاموا لهواهم معبداً
شرعه كان صراخاً ودويا
أججوا النيران في محرابه
ورموا فيها عظيماً ونبيا!
صح ما جاءت به ايام إذ
عشقت زنجيَها الحسناءُ ريا
عشقته عن هوى في نفسها
وكوت بالهجر وضاحاً بهيا
رابح سُمي درَاكاً كما
سُمي الخاسر مأفوناً غبيا
كم وضيعٍ كثرت مداحه!
وغبي ساد فذاً ألمعيا!
وشريف ماؤه من دمعه
بات بين الناس منبوذاً شقيا!
خلَ هذا وتأمل                   في اعاجيب الخلائق
حيوان يتعقل                     وغموض في الحقائق
كان جباراً عتيا

18
مغرم بالراح عربيد خليع
لخدين اللهو منقاد مطيع
احرقت سورُتها مهجَته
فأضاءت ثم ذابت كالموع
يحتسيها فأذا ما دندنت
رقصت احشاؤه بين الضلوع
لم يزل يكرعها حتى بدت
حاله شبه غريق او صريع
واجداً فيها معاذير النهى
ورضا النفس وأنفاس الربيع
لامه الللاحي وأبدى نصحه
أسفاً والمبتلى غير سميع!
قال: اقداحي وخمري سلوتي
ليتني حطمتها لو استطيع
من حمياها أروِّي ظمأي
كي تزيغ العين والعقل يضيع
فأرى الناس على اخلاقهم
زاد في احقادهم جهل وجوع
وأرى النور لهيباً في الحشا
والغمامَ المرتجى فيضَ الدموع
هذه الانجم سكرى                         من ينابيع الازل
وقفت تنظر حيرى              بين يأس وأمل
في جل وخشوع

19
يا تُرى من ذا الذي يُعطى فيرضى؟!
والذي عن مفرق النهدين اغضى؟!
سرحة شاخت على تربتها
وجنى اغصانها مازال غضا
نشرت عطراً وطابت ثمراً
وتمطَّى فيؤها طولاً وعرضا
تقطف الاجيال منها ما حلا
كل ذوق بعضه خالف بعضا
روعة الابداع في اشكاله
حببت ظبياً نحيل الخصر بضا
وعيوناً في سناها فتنة
اصبحت من حسد الحساد مرضى
كلما صفًر داعٍ للهوى
هرع الناس الى اللذات ركضا
فأِذا غرَّتهم اوهامهم
جعلوا من مسرح الغيلان روضا
واذا طاشت بهم احلامهم
ملؤوا من فضلة الا كؤس حوضا
واذا ضاق الثرى غن غيهم
فرشوا من لجة الدأماء ارضا
غاب في غيب الزمانِ                     أَلهوى والشعراءُ
والمراثي واغاني                          والمغني والغناءُ
واستحال الحب بغضا

20
صاح ديك عندما لاح الصباح
بعد ان اغفى قليلاً واستراح
فأجابته ديوك صدَّح
قُمن يضربن جناحاً بجناح:
ها قد انزاحت عفاريت الدجى
عن بحار وجبال وبطاح
فأفق يا غارقاً في نومه
إن طول النوم قتال الطِّماح
هكذا صاحت بأشجى نغم
وانثنت تزهو بأعراف مِلاح
مثلما يزهو ملوك عَرضوا
في صفوف من سيوف ورماح
فأتاها مستبيح بَطِرٌ
حسنت في عينه حُمر الجراح
وبرت سكينُه اعناقها
قائلاً: هذا طعام مستباح!
رقصت فانطرحت فاختلجت
ويد القاتل تلهو بالسلاح
رقصة الموت قديمٌ فنها
أين من إيقاعها رقص السماح؟!
ليس في حكم اليقين            ان يصيب السعي رزقا
ربَ أفَاق فطين      طلب القوت ليشقى
بنضال وكفاح

21
شرٌ ما يؤذي نفاق ورياءُ
فهما في الناس عدوى وبلاءُ
منهما صيغت قلادات العلى
وزها الجود وغنى الشعراء
فأذا سرك إطراء فسل:
أكلام الخلق صدق ام هراء؟!
قالت اقلام لما افصحت:
لغة الاحرار نقضٌ فبناء
دع أبا الطيب مع كافوره
وكذا الطائي يغريه العطاء
ما بنى الاوطان مدَّاح ولا
زامر اصغت اليه الاغبياء
قد ترى حذقاً وصنعاً رائعاً
وذكاءً لا يدانيه ذكاء
إنه فنٌ ولكن عابر
ليس فيه إن دجى الليل ضياء
دُفن اللؤلؤ في اصدافه
وبدا من سقط الناس طلاء
سارق الاكفان في ظاهره
هو والناسك في الدنيا سواء؟!
كم قبيحٍ وصفوهُ                قمراً بين النجومِ
ولئيمٍ وضعوهُ                   فوق امجاد الكريمِ
ابلغُ القول الهجاءُ

22
شيد القوم حصوناُ وقلاعا
واقتنوا من وارف الدوح ضياعا
ملكوا لكنهم ما قنعوا
أكلوا لكنهم ظلوا جياعا
حسدوا الفيل على خرطومه
وتمنوا ان يكون الفتر باعا
طردوا الرحمة حتى انهم
صنعوا من كفن الميتِ شراعا
لا تصادقهم ولا تأمن لهم
ربَّ من صادقته كان لَكاعا!
لبسوا الديباج واختالوا به
فأِذا جردتهم كانوا ضباعا
كل شرٍ ضرمت جذوته
طمعٌ ساد ملوكاً ورعاعا
يا كبير البطن ماذا تبتغى؟!
أتريد البر والبحر متاعا!
لو جمعت الناس من تحت الثرى
منذ ان ارسلت الشمس شعاعا
ووضعت الناس في الكيل لما
نَصفَوا من كائنات ارض صاعا!!
جامع اشواك يُدمي                        راحتيه طول عمره
والهوى اقتل سم               للذي اقاد لأمره
خفي الحق وضاعا

23
شارد من مغرب او مشرقِ
هابط من مزلقٍ في مزلقِ
مجهَد يسعى الى قسمته
بفوآده وصِبٍ محترق
تكمن الاحزان في احشائه
ومآقيه كلون الشفق
سخرت منه الاماني ونأت
إذ بدت طلعتها في الافق
يومه عامٌ وعامٌ يومه
بسوى اقرانه لا يلتقي
ليله سهد وغم مطبق
وضحاه معتم كالغسق
ساهم تدفعه قُصرى الخطى
وعلى جنبيه وخز الارق
كلما اجتاز مكاناً ضيقا
اوقعته في مكان أضيق!
من رآه غادياً او رائحاً
قال: هذا ظل انسان شقي
وحياة الناس كانت سلماً
واحد يهوي وثانٍ يرتقي!!
لا تقل : ان الالم                باعث للعبقرية!!
هو ان مسَّ الهمِم              كان شراً وبلية
وقذى في الحدقِ

24
ذات يومٍ سأل الليث الغرابا
عن امور يرتجي منه جوابا:
أي عيش يا أخي احببته؟
أي زادٍ لك قد لذَّ وطابا؟
ردّ والبسمة في منقاره:
مرحباً بالليث سلطاناً مهابا
ليس لي مصيدة يا سيدي
أبتغي منها طعاماً وشرابا
آسنُ الماء وكلبٌ ميت
نعمة غطت سهولاً وهضابا
أتخمتني جيفة فواحة
انزلت من برجه العالي العُقابا؟؟
وفنون الغدر لا اعرفها
فأِذا شئت فسل عنها الذئابا
رجع الليث الى غابته
قائلاً: هذا غراب يتغابى!
نحن آسادٌ لنا عِزتنا
نرد المنهل جهراً واغتصابا
لا تصافينا المقادير اذا
لم تكن عِدتنا ظفراً ونابا
حين غنى عندليب              فوق غصن مزهرِ
قال خفاش قريب                عالق بالشجرِ:
صاحب يرثي صحابا

25
عنكبوت كان في البيت وديعا
غزلت حيلته خيطاً رفيعا
وبزاة خشيت صيادها
فبنت فوق الذرى وكراً منيعا
وجراد زحفت أرجله
تحسب العيدان والشوك ربيعا
وضعيف كان قوتاً طيباً
لقوي ربما كان وضيعا
ركب العنقا وجاز المرتقى
وعدا يطلب في الصيد قطيعا
هكذا كلٌ يقضِّي عمره
دائباً مستذئباً كيلا يجوعا
والليالي أَمَةٌ  مُرضعة
حضنت في صدرها طفلاً رضيعا
ثَرَّة ترضعه من شهدها
ثم تسقي روحه سماً نقيعاً
انها ظاهرة دائمة
تشبه الشمس مغيباً وطلوعا
كل من قال: حياة تعب!
وطواه القبر يشتاق الرجوعا!
ابداً تعوي الضواري           ابداً تَصئي العقارب
ولعاب الموت جاري           في العوالي والسباسب
غمر الخلقَ جميعا

26

فرحة تمضي وسلطان يدولُ
للعُلى خفض وللنجم أفولُ
سيرة الانسان ليست تنتهي
هي في الاعصر تاريخ طويل!
تطحن الارض على هامته
وعجيج الطحن نَوح وعويل
يقظ لكنه في حُلُم
كائن لكنه طيف يزول
مُدمنٌ عفَى البلى بهجتَها
رائع الفن خراب وطلول
ترك الدنيا وما من رجعة
هل الى افضل من تلك يؤول؟!
كل حيِّ النفس عن ذا سائل
وبه زاغت قلوب وعقول
قال بعض الناس: ضلَت فرق
عقلها ما ضل لو صح دليل!
وقديماً سألوا وارتحلوا
طال المجهول مِلحاح سؤول
طالما عالمنا من عدم
لم يكن في البعث شئ مستحيل!
أي فرق في النهاية            بين عقل وجنون
إنما الدنيا رواية                عن صغار يلعبون
كثرت فيها الفصولُ

27
إنها مأساة انسان توراى
كتبت احداثها كان وصارا
بمدادٍ لونه من لونها
ودواةٍ وسعت كسرى ودارا
غمست فيه المنايا إصبعاً
ثم خطَت جثثاً فوق صحارى
وقصوراً أعولت اشباحها
بعد ان كانت تناغيها العذراى
ذهب الدهر بها فاندرست
وسَفَتها الريح ذرَاً وغبارا
شُغِل الناس بما اسكرهم
ليت شعري أي عقل للسكارى!!
زينوا الارض فكانت مسرحاً
مثلوا فيه روايات قصارا:
واهمٌ معبوده المسجد او
نائمٌ صفق في النوم وطارا
واذا الحاضر لاحت شمسه
أسدل الخلق على الماضي ستارا
دمعة الانسان في نكبته
غَدَقٌ فاض نهوراً وبحارا
الرياح العاتيات                 من صدور البائسين

والرعود القاصفات            من نفوس الحاقدين
هكذا كان وصارا